لا أعرف حقيقة لما قد يتصوره البعض بأن مجرد تحقيقه لأي نجاح في الحياة هو مدعاة لأن يدهس بمؤخرة حذاءه رؤوس الجميع، فتراه ينعق بما لا يفقه، و تراه يتشدق بكلام اكتنزه من هوة تملق الآخرين فيه، يشعر أنه يكتنف أحد عشر إلها رومانيا بين أضلعه، يزين له نجاحه أنه سيد الأرض ومن عليها، وأنه منشئ الجبال ورافع السحاب وقاهر جيوش الفرنجة ورازق الطير في أعشاشها والوحوش في البرية.
لا يختلف اثنان في العالم كله على أن ما قدمه شحاتة في غانا 2008 هو الأداء الأفضل والأروع على الإطلاق في هذه البطولة، ذاك الأداء الذي كلل بحصول المنتخب للمرة الثانية على التوالي على البطولة.
كنت أتوقع مثل الكثيرين أن يكون الحصول على هذه البطولة هو دافع لشحاتة لمزيد من الثقة في النفس وفي جهازه الفني للصمود أمام أي معارض لوجوده على رأس الجهاز الفني للمنتخب أو أي مشكك في قدراته.
لكن يبدو أن توقعي لم يتحقق فقط، بل تحولت الثقة بالنفس والفرحة بالانتصار إلى التجرؤ برفع السيف على رقاب الجميع ،على كل من فكروا بانتقاده يوماً ما من قبل ومن يفكر بانتقاده من بعد.
تحول حسن شحاتة الطيب المحترم الصبور إلى حسن شحاتة الذي لا يرحم أي أحد والذي يريد الاقتصاص من أي أحد، منذ أن بدأ بذلك في ثاني يوم بعد عودته من غانا بحديثه الناري في تلفزيون دبي الرياضية.
كنت في بادئ الأمر أظن أن ما يحدث هو مجرد صرخة مظلوم قد أنصفه الله على ظالميه الذين لم يتعدوا عدد أصابع اليدين من أعضاء الاتحاد وبعض الصحفيين، والذين صورهم الإعلام أنهم بالملايين وأنهم يحقدون على شحاتة بسبب هويته البيضاء السابقة وأنهم أعداء للنجاح وسارع كل من هب ودب في تضخيم الأمر لإيهام الجميع أن انتصار شحاتة على معارضيه القلائل لا يقل عظمة عن ما حدث في ملحمة جلجامش وملك الأوروك.
كنت أظن أنها زوبعة فنجان ستنتهي في أقرب وقت بإحدى جلسات الصلح إياها، وستنتهي بمجرد تجديد التعاقد ويعود شحاتة إلى صفوف العقلاء مرة أخرى ويعود قارعي طبول الحرب إلى صفوفهم مرة أخرى وتعود المياه لمجاريها كي نتفرغ للدوري وما فيه وما له وما عليه.
لكن للأسف سرعان ما بدأ بعض أعضاء الجهاز الفني ينفرط عقدهم ويعتقدون أنهم فوق كل شيء ويفعلون ما يريدون، فنجد أحمد سليمان مدرب حراس المرمى بالمنتخب يريد الذهاب كإعارة لنادي الزمالك لنجدته ولا أعرف حقيقة ما هي كيفية هذه النجدة؟!.
ونجد شحاتة يحاول العودة للواجهة الإعلامية مرة أخرى ويصرح بضم الحضري إلى المنتخب في تحدٍ سافرٍ لمشاعر معظم جماهير مصر وهي جماهير النادي الأهلي.
كنت أظن أن رؤساءك في اتحاد الكرة سيقفون لك بالمرصاد على هذا الموقف السيئ لكنه كما رأينا فهم خشوا مواجهة أحمد سليمان فما بالنا بالمعلم شحاتة، واكتفى كل منهم في التواري عن الأنظار في محاولة للحفاظ على تواجدهم على كراسيهم التي ستهتز إذا ما زأر شحاتة غضباً عليهم مرة أخرى.
المعلم شحاتة الذي أكرمه الله بعد ذل وكسرة نفس في مجتمع كرة القدم المصري الآن يدهس رقاب الجميع غير عابئ أو آبه لمشاعر الملايين من محبي الأهلي أو محبيه.
المعلم شحاتة الذي خرج بمبادئه المعروفة بأنه لا مكان في المنتخب لمن لا يلعب بشكل أساسي أو من هو صاحب مشاكل، عاد في كلامه ونكث به ليضم الهارب إلى صفوف المنتخب الهارب الذي لا يلعب نهائياً منذ ما يزيد عن الشهر والذي قام بفعلته الدنيئة في وضع الأهلي واتحاد كرة القدم المصري في مشكلة مع نادي سيون السويسري واتحاد كرة القدم السويسري لدى الفيفا.
تلك الفعلة التي طردته نهائياً من قلوب محبي النادي الأهلي ومحت تاريخه بكل ما تحمل الكلمة من معنى من بين صحف المجد الحمراء.
يستذكر الكثيرين ردة فعل شحاتة تجاه إيقاف عمرو زكي من نادي الزمالك والذي قام على إثرها بعدم ضمه للمنتخب منطلقاً من المبادئ والقيم التي وضعها لنفسه بعدم ضم لاعب له مشاكل مع ناديه وهنا لي وقفة أخالف بها قول الكثيرين أن ما قام به شحاتة آنذاك بسبب انتماءه الأبيض وحبه للنادي الذي تربى فيه وهو الزمالك، لأني أرى حقيقة أن شحاتة قد نزع عن نفسه اللباس الأبيض منذ وجوده على رأس الجهاز الفني للمنتخب وجعل نفسه ملكاً لكل المصريين ولا أدل على ذلك من تصريحات عباس وجمال حمزة العدائية له بسبب تفضيله لاعبي الأهلي عن الزمالك في اختياراته للمنتخب مما قد ينفي بتاتاً أن ما قام به مع الحضري حالياً وضمه للمنتخب استعداداً لمباراة الأرجنتين الاحتفالية هو بسبب انتماءه الأبيض واستفزازاً لمشاعر الأهلاوية.
لكن الملفت للنظر هو الفرق بين شحاتة قبل غانا 2008 وشحاتة بعد غانا 2008 وهو أن الرجل قد أخرج نفسه من خانة التواضع والعقلانية إلى خانة كبرياء الملك المتوج.
تلك النظرية التي سعى إلى ترسيخها في نفس شحاتة بعض من الجهلاء والمنتفعون الذين صوروا له أن انتصاره بأمم 2008 جعل منه الرجل الأول في كرة القدم المصرية وأنه يستطيع فعل ما يشاء وقتما يشاء غصب عن أي أحد يخالفه الرأي.
فلم يجد شحاتة خير من النادي الأهلي وجماهيره للدخول معهم في تحدٍ يريد منه إثبات صحة هذه النظرية يدفعه في ذلك وسواس أحكم قبضته على رأسه من أجل غاية خبيثة في نفوس البعض مستغلين نشوة الرجل بفوزه بكأس الأمم وكبرياء ناله بتأييد كبار المسئولين له في محاربة الأهلي الذي دائماً ما تكسرت سيوفهم الخشبية في محاربته.
شحاتة لا يدرك أنه يحارب الأهلي من أجل تحقيق وهم الرجل الأول في كرة القدم المصرية.
يا حسن شحاتة يا مدرب منتخب مصر وصاحب إنجازاته الأخيرة لا تنصاع لرغبة هؤلاء الخبثاء، لا ترضخ لأمنياتهم الحمقاء، لا تهوي بقيمتك من قلوب مشجعي الأهلي فهم غالبية هذا الوطن وإذا كرهوك فلن ينفعك حينها بعض الأقلام المأجورة التي تريد وضعك في وجه المدفع وعند أول خدش يصيبك سوف يتركوك في معركتك الخاسرة وحدك تندب حظك وتلعن الساعة التي قمت بها بضم الحضري.
يا كابتن شحاتة والله إني من محبيك وإني لم أكتب نقداً يوماً من الأيام فيك إلا لإرجاعك إلى طريق الصواب، فنحن لا نتكلم من هوية تتحكم بعقولنا ولا نتكلم من أجل حفنة أموال نستأجر بها، ولا نتكلم بغضاً في الحضري وسعياً لمزيد من الانتقام منه .
بل نتكلم من أجل مصلحتك ومصلحة منتخب مصر، نتكلم من أجل الثبات على القيم والمبادئ، نتكلم من أجل الانتصار للحق والمنطق والعقل.
هل تتصور أنه بوجود الحضري مرة أخرى في المنتخب سيكون إضافة للمنتخب؟!، لا والله.. فوجود هذه الأخلاق بين صفوف لاعبي المنتخب هي كارثة تضر بسلوك باقي اللاعبين، إن وجود الحضري بين لاعبي المنتخب سوف يفتح صفحة جديدة سوداء في علاقة الأندية المصرية بلاعبيها حيث سيزداد التمرد والعصيان ولن يهم أي لاعب عاقبة أفعاله مادام باب المنتخب مفتوح له في أي وقت وتحت أي ظرف، إن وجود الحضري بين صفوف المنتخب سوف يفسد علاقة المشجع الأهلاوي بمنتخب مصر وسنعود لعصر الهتافات إياها ضد هيما ومتعب.
هداك الله يا كابتن شحاتة وأعادك إلى رشدك واعلم جيداً أن من يحارب الجميع ويظن نفسه أقوى منهم هو أول الخاسرين، وصدقني لن ينفعك أحد سوى المبادئ والقيم التي أدعوك أن تعود إليها وأن تسقط من رأسك وساوس المنتفعون وأصحاب المصالح.
كتبها لكم
احــــــمـــد جـــــــــمـــال